عشيقته

قالها صديق عرفني ولم يعرفه … “كنت تشبهين عشيقته” … لأن هذا الحب الذي جمعنا كان فوق الزواج وقبل الارتباط وبعيد كل البعد عن رؤى المجتمع وتعريفاته المعتادة عن الحياة المشتركة
لم نحاول أن نخفي هذه الهدية التي أعطتها لنا الحياة بل سعينا لمشاركتها مع كل من نعرفهم
صنعنا من الحب هدف وغاية
وصنعنا الحب رسالة له
نسجنا عالم كامل من الأحلام التي بلا أموال ولا أطفال ولا مناصب ولا طموحات مادية
أحلام مليئة بالسعادة والتجارب الجديدة والنمو معا والحياة في بلد أفضل
سعادتنا بأي حدث سعيد لمصر لم تقل عن شغفنا لأن نكون آباء

لم تكن حياتنا بدون مشاكل وعراك ومنغصات وغضب كثير
ولكن لم يكن لدينا النية للعيش في تعاسة لذلك عبرنا كل ذلك وصرنا أقوى وأكثر على الاحتمال والحب
تجربة المرض أخرجت أجمل وأصعب ما فينا

“داري على شمعتكم”
قالها البعض وصدقوا … ولكن لم يخطر ببالي أن الحسد يمكن أن يقتل

20130330-004259.jpg

ثانيتان فقط مع سامر

لا أذكر وقتا في حياتي لم يمتلئ عن آخرة بالأحداث وبالمتطلبات والواجبات. يبدو أن بعض البشر غير قادرين على الحياة بدون عشرات الأشياء التي ينبغي عليهم فعلها وانا من هؤلاء. الكثير والكثير والكثير وامتلأت اجندتي عن آخرها ولكن لم تكن هناك مشكلة: كان هناك سامر

يستقبل سامر تليفوناتي المنهارة والباكية الصارخة له “مش قادرة” فما عليه سوى أن يستمع لي لدقائق ولا يفعل أي شيء سوى كلمتين صغيرتين “معلش يا بطة” وينتهي الأمر برمته
هاتان الثانيتان حين أسمع رده الصغير كان كل ما يلزم لأستكمل مسيرة الألف ميل
يكفي أن سامر معي ومستعد للمساعدة ويتفهم ويقدر ويفخر بي
يكفي أن هناك ذلك المكان الصغير الذي أستطيع أن ألقي فيه بجسدي المنهك وأرتاح في حضنه أخيرا
ثانيتان فقط هو كل ما يلزمني مع سامر

هل من طريق لأستعيده الآن لهاتان الثانيتان فقط؟ مرة واحدة فقط؟
مرة أخيرة ربما؟
في خضم كل ما يدور الآن في حياتي من أحداث خارج حدود سيطرتي واستيعابي أدرك كل دقيقة كم أنا بحاجة لهذه المكالمة وهذه الكلمات المقتضبة

هل ترى تسمعني الآن يا سامر؟

20130329-180701.jpg

سامر ينسلخ من كياني

كل جزء صغير بداخلي تحت مجهر جراحة لا يرحم
كل ذرة من كياني تدمي
تشقها يد غير ماهرة تبحث عن سامر في كل ذرة من وجودي
وأحيانا تجده وكثيرا لا تستطيع فصله عني
تستمر يد الجراح في شق الجسد
وتسيل دماء بلا حدود

“لماذا يفعل ذلك؟”
“حتى تستطيعي أن تعيشي”
“لكني لا أريد أن أعيش”
“ليس لديك الحق في الاختيار”

بدون مخدر بدون نوم
الدماء تسيل ومعها ملايين الذكريات الصغيرة التي تكونت بداخل جسدي
الرعب يملأ كل جزء في
هل رحل سامر إلى هذا الحد؟
هل تموت كل أجزاء سامر التي بداخلي أيضا؟
أين يدفنوها؟

أنظر في المرآة وأصرخ عشرات الأضعاف
هل هذا المسخ الذي يواجهني هو صورتي؟
هذا كل ما تبقى ولم ينتهي بعد المشرط من عمله
لا يزال يقطع ولا تزال الدماء تسيل

“لن يبقي شيء بعد أن ينتهي”
“لا يهم”
“كيف أحيا بدون إنسان”
“لا يهم، المهم أن تعيشي”
“هل تسمون هذه حياة؟”
“ألا تتنفسين؟ إذا أنت حية”
“ألا رأي لي في ما يحدث؟”
“لقد وقعت على العقد يوم ولدت: ستبقين حية إلى حين”

لم أعي وقت رحل سامر ما تعنيه رحلة الألم والحداد والفقد
كل يوم يعبر تأخذ الرحلة مناح جديدة لم أتصورها ولم أحلم بها
وكل ليلة أخطو في جحيم مستعر لم يتصوره الأولون ولو عرفوا لوصفوا جهنم كأنها الأمل القريب

أين أنت يا سامر؟
ينتزعونك من داخلي وتصمت؟
جميلتك صارت مسخ
يسلخون وجودك من كيانها ولا يريدون ترك ذراتك التي صارت جزء منها
يبحثون عن خلايا الماضي التي لم تتحد معك ليبقوا عليها
والبقية تسيل مع الدماء

أين أنت يا سامر
وعدت أن تدخل بداخلي وتصير جزء مني
فكيف تقبل الآن ما يحدث؟!؟
ماتت حبيبتك التي عرفتها
وولد كائن مشوه يحمل بطاقة تحمل أسمك
يا ليتك أخذتها معك

20130329-005129.jpg

مواجهة يومية

قالوا أن المرات الأولى هي الأصعب دائما، المرة الأولى التي أدخل فيها المنزل وحدي، المرة الأولى التي أبيت فيها الليلة وحدي، المرة الأولى التي أتغدي وحدي

ولكن لم أعلم أن كل نفس يدخل جسدي الآن يحمل مواجهة المرات الأولى، فهي الأولى كل مرة بدون توقف

كل مرة أدخل المنزل هي الأولى وكل مرة أدخل السرير وحدي تكون المرة الأولى

واليوم للمرة الأولى أصعد لسطح منزلنا المشمس. الموت لم يترفق بشجيراتنا المسكينة التي لم أعد أستطيع رعايتها. الموت يحدق بكل شيء، يواجهني في كل ركن تركنا فيه ذكرى

للمرة الأولى من زمن بعيد نستقبل ضيوف على هذا السطح البديع الذي كانت لنا فيه أجمل ذكريات الصيف والربيع. طال انتظارنا للخريف هذا العام لننقل الأشجار ونصلح سقف الغرفة. مع الأسف أتى الخريف وبعده الشتاء وبعده الربيع والسطح البائس وحيدا مهملا

المواجهة اليومية مع الموت بلا فائدة فهو يفوز في كل الجولات

يتركني صريعة محطمة ولكن أتنفس

IMG_0005

لقاءنا التالي

لا يمر يوم بدون أن أنشغل لساعات بفكرة اللقاء القادم مع سامر. ترى كيف سيكون شكله وقتها؟ لابد سيكون في وضع أفضل كثيرا من آخر مرة كنا معا! لابد سيكون منتظرني. أكاد أرى ابتسامة كبيرة على وجهه والإشراقة التي بلا مثيل على وجه الأرض عندما نجد أحدنا الآخر بعد غياب.

لن نتحدث: لا يوجد بنا حاجة للكلام ونحن نتحدث الآن كثيرا على أي حال. لن نجد ما نقوله. سيكفي نظرة واحدة وأرتمي في حضنه مرة أخرى وأعلم أنني لا أغادره أبدا هذه المرة.

 

جميعنا بحاجة لإله ما ولإيمان ما لنتمكن من استكمال هذه الرحلة التعيسة المسماة بالحياة

IMG_2235

ينتظرني

أهرب بعيدا … أبحث عنه … بدون وعي
أتتبع خطانا في الأسكندرية حيث قضينا أياما مليئة بالسعادة والمتعة في إجازات متتالية صيفا وشتاء
كأنه إيفاء لوعد وعدته لسامر ولم أتمكن منه حتى الآن
أمنيته الأخيرة … أن يزور الأسكندرية في الشتاء
زرتها على أمل أن يكون معي ويراها بعيني
بحثت خلف كل حجر عبرناه
تشممت كل خطوة أخذناها معا
تذوقت كل ما أكلناه وشربناه معا
لامست أقدامي كل الأماكن التي سرنا فيها معا
لعلني أجده
ولم يكن
ولكن في مكان ما في عقلي كنت أخزن الذكريات
“انا رحت اسكندرية يا سامر وأكلت سمك وزرت الشيخ علي”
نويت أن أقفز إلى حضنه بمجرد رؤيته لأخبره بأن الشيخ علي لا يزال يضج بالزائرين والأسكندرية كما هي تتألق في نهاية شتائها
وعدت للمنزل
أفتح الباب ولا يأتي سامر ليرحب بي أو يقول لي أنني وحشته
ولا يأتي أبدا
أهرب مرة أخرى إلى سريرنا
ضوء خافت فقط يحاول أن ينسيني الظلام الدائم الذي أعيش فيه
ولا يأتي سامر
وكأنها المرة الأولى التي أعود للمنزل ولا أجده

 

الرحمة أيها الموت!!! تنتظرني كلما عدت للباب الموصد والأضواء المطفأة
ولكن لا تفتح لي القفل المغلق أبدا

20130327-182723.jpg

سنرقص معا

نعم يا سامر، سنرقص معا مرة أخرى
فوق رمال شاطئ النادي اليوناني حيث جمعنا ذكريات غنية مع الأسرة والأصدقاء ووحدنا في صيف وشتاء الأسكندرية التي أحببناها
فوق رمال شاطئ ستانلي التي اكتشفناها بعد كل هذا العمر

سنرقص على أنغام البوزوكي بجوار مرفأ جزيرة سبتسس اليونانية حيث قضينا أيام ذهبية في شهر عسلنا الممتد وسنسمع أصوات اليونانيات يغنين الأغاني الشعبية للجزيرة ويضحكون وهم يخطون بالرقصات الرشيقة
سنرقص معا على شاطئ القمر في راس سدر حيث قضينا مصيفنا الأخير معا
سنرقص معا مرة أخرى على شاطئ راس شيطان على صوت العود المسائي وعلى أضواء المصابيح الناعسة
وفوق رمال شاطئ دهب وسط أسماكه الملونة التي ستحتفل معنا

سنرقص تحت شمسيتنا الملونة على شاطئ عجيبة الذي اكتشفناه وقضينا فيه ساعات ممتعة في عالمنا الخاص كأننا حبيبين جدد يختلسان الوحدة في عيد زواجهما الثالث
سنرقص معا على شاطئ سوسة في تونس
وعلى شاطئ سيدني في استراليا
وعلى شاطئ الساحل الشمالي
وعلى شاطئ النهر الذي شهد جمعنا وفراقنا ويجمعنا مرة أخرى قريبا

أنتظر بفارغ الصبر صوت الموسيقى التي ستصدح مرة أخيرة ولن تتوقف بعدها
وسنبدأ في الرقص ولن ننتهي
كل مائة عام وأنت بخير يا حبيبي

20130327-181622.jpg

المكان الوحيد الذي تغير

عصفوران يصنعان عشهما وسط أنقاض الحياة بالعباسية. من شرفة منزل طفولة سامر أراقبهما. لا يحملان هما للعالم ولا لما يحدث حولهما: ليحترق الكون بكل ما فيه طالما هذا العش الصغير الذي يجمعهما موجود

هكذا قلت لسامر كل يوم في حياتنا: مهما تغيرت البلد، مهما تغيرت الظروف حولنا، نعرف أن هناك مكان واحد آمن لن يتغير، يمكننا فيه الراحة والثقة، وهو عش حياتنا الزوجية السعيدة
“حضني هو المكان الوحيد الذي تعرف أنه موجود مهما حدث”
حضني موجود ولكن حضنه لم يعد هنا
مصر كما هي والناس كما هم والحياة لم تتغير، والمكان الوحيد الآمن الذي كان لنا هو الوحيد الذي تم هدمه بلا رحمة

 

أصبحت أمارس كل أنواع الهروب من الحياة في نفس الوقت الذي أدعي فيه أنني لازلت أتنفس
أيها الموت العنيد الذي فرقنا بلا رحمة، ألم يحن الوقت بعد؟

20130327-180301.jpg

مريضة حبا

ليَلْثِمْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَلَذُّ مِنَ الْخَمْرِ

أَسْتَحْلِفُكُنَّ يَابَنَاتِ أُورُشَلِيمَ إِنْ وَجَدْتُنَّ حَبِيبِي أَنْ تُبَلِّغْنَهُ أَنِّي مَرِيضَةٌ حُبّاً

نشيد الأنشاد

20130325-233824.jpg

ثلاثة اشهر كأنها ثلاثون عام

الزمن يمضي ببطء شديد غير مفهوم
عقارب الساعة لا تتحرك
كانت العاشرة من زمن مضى والآن فقط العاشرة ودقيقتان
كنت من اسعد البشر سنواتي القصيرة مع سامر لأنها مرت ببطء شديد تمتعنا فيها بكل ما تحمله السعادة من مشاعر وذكريات
ولكن العقارب توقفت الآن
يقولون ان الزمن يداوي
هل يريدون ان يقنعوا ان الحزن له توقيت ينتهي بعده وتعود الحياة إلى سابق عهدها
وحدي علمت ان الوقت لا يستطيع ان يخفف او يمحو
ربما بعد أزمنة طويلة وسنوات صراع يغفر الإنسان لنفسه الحب ويحيا في القالب المفرغ الذي يدعى الجسد

هرمت في بعدك يا سامر وصارت خطواتي بطيئة نحو الموت
يا ليتها تسرع لألحق بك

20130324-092859.jpg

الأم الأكثر حزنا

أيهما أكثر تعاسة لا اعلم! مصرية أم سامر رأت بعينيها طفلها يذبل ويفارق الحياة في أيام معدودة.
سعاد أمي تراني أذبل كل يوم، تعرف ان حكم بالإعدام قد صدر ضدي ولكن لا تعلم متى التنفيذ كما لا اعلم انا ولكن ربما لديها أمل في الاستئناف لم يكن أبدا لدي
تأمل ان اعرف كيف آكل، تبحث طيلة الوقت عن كلمات مناسب لا تؤلم كثيرا وتفشل
تضع صورة فرحي انا وسامر أمام عينيها طوال الوقت ولا تعلم ان كانت بذلك تعيده للحياة أم تقتلني
يا ليتها لم تلد للعالم هذا الكائن الحزين الذي يغرق في فقاعة السواد الآن

20130323-101805.jpg

إيزيس …. الحلم والكابوس

ذكرها اليوم العزيز رائد … ذكرها ووضع أسمي بجوارها. كأنه يقول كلمة سحرية أعادت ذكريات ألف عام مضت وضمت في خيط واحد أحداث كثيرة تبدو غير مترابطة
إيزيس
المرأة والإلهة
أهديتها كتابي الأول
“إلى إيزيس ومريم وزينب … النساء القديسات لهذه الأرض المقدسة”
وضعت تمثالها أمام سريري وآخر في مكتبتي
زينته بالورود والوعود كأنها الوعد بالحياة وبمصر
احتفيت بشبهي الواضح للتمثال الفرعوني في معبدها بالأقصر
وأسميتها قصة الحب المثالية وجعلتها حلم أن ألتقي بنصفي الآخر

لم أعلم أن حلمي يتحول إلى كابوس
لم يخطر ببالي قط أن أبكي أوزوريسي الراحل كما بكت هي
لم يمر بي طيف الخوف أن يكون لي مصير يشبه مصيرها

والآن عرفت ألمها بكل ملامحه
يا ليت حبيبي كان مقسما على أربع أطراف الأرض لجبتها على كفي وركبتي حتى جمعته و بكيت حتى ملأت محيطات العالم حتى أعيده للحياة
يا ليت حبيبي يختار عالم الحياة وليس عالم الأموات كما فعل أوزوريس

إبكي يا إيزيس أوزوريسك وأوزوريسي وكل من مات على أرض هذا الوطن من فرط إيمانه بالعدل والحب

20130322-203121.jpg

كل امرأة لن تسمع كلمة ماما في حياتها

لأول مرة اليوم أدرك ما تعنيه الحياة لكل هؤلاء الذين حرموا الأمومة لأي سبب كان
الذين باتوا لياليهم يحلمون بأطفال صغار يغدقون عليهم الحب والرعاية
وينتظرون فقط كلمة “ماما” أكثر مما ينتظر النبات الأمطار
وفي النهاية توقظهم الحياة على الكابوس في صوره المختلفة
مرض أو غياب رفيق العمر أو الفشل في العثور على رفيق العمر
يجدن أنفسهن غارقات في حياة مليئة بالصغار حولهم
أبناء الأخوة والأصدقاء والأحباء والجيران
يصرخون ويصيحون ويشتكي منهم أهلهم طيلة الوقت
وسيف قاتل يخترق قلوب هؤلاء المحرومات يشتهون فقط هذه الصرخات والصيحات

20130322-200208.jpg

أعلم أنهم يحبونني

ليس عندي أدنى شك أن هناك على هذه الأرض بشر يحبونني ويتمنون سعادتي
ليس عندي شك أن هناك كثيرين يبغون لو ينتهي الألم الذي بداخلي أيا كانت نتيجة ذلك
ليس عندي شك أن سامر لو كان مكاني لكان متألما ولكن لاستمر في العمل والكفاح متمسكا بحبنا الذي كان
ليس عندي أدنى شك أن الكثيرين سيبكون إذا رحلت عنهم

ولكن ليس عندي أدنى شك أنني لم أعد كائن يصلح للحياة
لا أستطيع الشعور بحب أحد
لدي فقط شعور بالمسئولية تجاه بعض البشر
وشعور بالضرورة تجاه بعض الأعمال الواجب إنهائها قبل الرحيل
وشعور بالأسف لأنني سأعرض كل هؤلاء للألم

لم تعد لدي القدرة على مبادلة أحد الحب
أحاول فقط تبادل الكلمات اللطيفة أو بعض العلاقات الاجتماعية من باب الواجب
وأحيانا الخوف
ولكن لم تعد المشاعر التي يعرفها بقية البشر قادرة على اختراق حاجز الألم الذي لون كل حياتي

20130321-213406.jpg

سريرنا الصغير جدا

المرة الأولى التي نقضي الليل عند والدة سامر كانت ذكرى لا تنسى. حضرنا إليها وقت الغذاء يوم عيد الام عام ٢٠١٠وقضينا الوقت محاولين تركيب الرسيفر الجديد وفشلنا. بقينا طيلة الليل نحكي ذكريات حتى جاء وقت نومها.
دخلت غرفة نوم سامر ووسيم ولم افهم كيف سنقضي الليلة: الغرفة الصغيرة تحتوي على سريرين صغيرين جدا إلى جانب المكتب ودولاب ملابس صغير. من التعب اسقط على السرير الذي كان لسامر طوال سنواته بمنزلهم، وبعد قليل تسحب سامر إلى جواري وسقطنا في ضحك هزلي حول كيفية قضاء الليلة بهذا الشكل: ان حاول هو التقلب في السرير سأضطر إلى الالتصاق بالحائط الخشبي الذي يتحول إلى كنبة عندما لا يكون السرير مستخدما. وإذا حاولت انا التقلب ربما يسقط سامر تماماً من السرير
ظللنا نضحك ساعة ونجرب التقلب على كل النواحي حتى سقطنا في النوم على السرير الصغير جدا
في الصباح حدثت سامر من قلبي وكأنني أخبره بنبوءة سترافقني حتى نهاية المطاف
“مهما كان السرير صغيرا سيتسع لنا معا”
وكأنني أحاول فرض إرادتي على الدنيا
وبالفعل لم يحدث في اي مكان (حتى عندما بتنا في خيمة صغيرة في صحراء سانت كاترين) أننا بتنا في سريرين منفصلين وحتى اليوم الأخير في حياتنا

وحتى الليلة التي قضيناها في المستشفى فور عودتنا من باريس والتي ظننت انه سيكون أكثر راحة في السرير وحده، وجدته يستيقظ بعد ساعات ويترك السرير الكبير ويأتي للنوم بجواري على سرير المرافق
لن أنسى الغبطة والراحة والسعادة التي لا توصف لحظتها عندما أدركت ان الألم الذي ظل يعانيه ٢٤ ساعة قد اختفى أخيرا وانه يعود مشتاقا لي

في سرير المستشفى الضئيل مع رحلته الاخيرة مع الالم كنا ننام متجاورين ضد كل اللوائح والتقاليد
لم أتصور كيف يمكن ان تغفل عيني وهو بعيد عني هذه الأمتار التي تفصل سرير المرافق عن سرير المريض

السرير الوحيد الذي ظللت احلم واعلم انه يتسع لنا هو سريره الأخير ومكان رقاده الآن
لم يكن لدي اي شك ان الصندوق سيتسع لي أيضا بكل رحابة
ولكن لم يتركوني اشاركه
وياليتهم تركوني لحظتها ولم يمنعوني من القفز بجواره
لم يدركوا أنني لم ولن أنام قط من وقتها

20130321-151000.jpg

اليوم الذي لن يذكرني فيه احد

لا انكر أنني نظرت ليوم مثل هذا بشوق
ان تأتيني صغيرتي بهدية من صنعها – ربما صورة صغيرة او قطعة فنية- وتهديدها لي هي وسامر بمناسبة عيد الأم
لم يأتي هذا اليوم ولن يأتي
واجهت نفسي اليوم بهذه الحقيقة
حياتي التي حلمت بها اندثرت بكل ملامحها
ولم يعد بالعمر ما يكفي لادعاء أنها أيام صعبة ستمر
ولم يعد بالقلب متسع بعد ان أغرقته الأحزان

إلى مارى التي كانت ستكون أم حبيبة
وداعا إلى الأبد

20130321-001521.jpg

من وحي عيد الأم …. عيد ميلادها

لم يعلم سامر طيلة حياته يوم عيد ميلاد والدته، مصرية. لم تخبر هي أحدا. أعلمت الجميع ان عيد ميلادها هو يوم عيد الأم وهكذا أرادت ان يعرفوها: كأنها ولدت يوم انجبت للحياة هذين الرجلين مصدر فخرها وسعادتها والآن أيضا مصدر ألمها الذي لا يداوى
عندما تعرفت إلى سامر كان دائماً من مصادر استغرابي هو التزامه العائلي يوم الجمعة. حتى وهو يحب ويتزوج لم يكن يرغب في قضاء الجمعة بعيدا عنها. كان يحبها بشكل خاص ولهذا دور كبير في حبي له

إلى كل الصديقات اللاتي لم يحالفهن الحظ بعد، إعلمن ان علاقة الرجل بالمرأة تبدأ من العلاقة مع الأم. ان كانت هذه العلاقة الأولى غير سوية من الصعب جدا ان لم يكن مستحيل ان تستقيم علاقاته بأي امرأة أخرى في الدنيا. ان لم يحترم الرجل والدته لن يمكنه احترام اي سيدة مهما كانت. ولكن في نفس الوقت ان تشبث بوالدته بشكل مرضي فلن يستطيع ان يحب امرأة مهما حاول
كل أم تربي رجلا تعرف هذا جيدا

كيف تمكنت مصرية، الشابة الجريئة التي خاضت الصراع من اجل ان تعمل في الصعيد قبل اي فتاة في عائلتهم، الفتاة التي تأخرت في الزواج حتى قاربت عقارب الساعة ان تفوتها تماماً، كيف استطاعت ان تربي مثل هذا الرجل اليافع الجميل والذي يحبها بكل كيانه ويرغب في إرضائها بكل السبل الممكنة ويرفض الموت سوى في وجودها إلى جواره، وفي نفس الوقت الزوج والحبيب الرقيق الذي يدافع عن حقوق المرأة في الشارع ويحيا في المنزل مؤمنا بأنها جزء منه؟
كيف تمكنت هذه المرأة المحاربة ان تعطي العالم شابا جميلا صادقا ناضجا في هذا المنزل الصغير وهذا المطبخ الضئيل الذي تعلم فيه حب الطعام وتذوقه وعشق الحمام المحشي من يديها، يخرج من بيتها ويقف وسط المئات متحدثا لبقا وأمام كاميرات التليفزيون مفكرا فذا ومحللا بارعا؟

لمن لم يعرف لماذا كان سامر سليمان يغادر قاعات المؤتمرات ومحاضراته واجتماعاته السياسية في تمام الثامنة والنصف ويعود بعد دقائق: كانت تلك اهم دقائق في يومه عندما يتحدث إلى ماما ويطمئن عليها ويجيب كل طلباتها ويخطط معها زيارات الأطباء واحيانا كثيرة يشاركها هموم يومه وخططه للعمل ومشكلاته من اول المرور وحتى التحول الديمقراطي

كان سامر يخشى أكثر ما يخشى ان يدق الجرس يوما ولا ترد عليه. طلب مني ان اتصل بها قبله حتى لا تصيبه تلك الصدمة طيلة حياته. حرصت على ذلك. كانت الصدمة التي خشاها سامر أكثر من الموت نفسه

في عيد الأم ٢٠١٠ ذهبنا إليها حاملين “كشري التحرير” ورسيفر جديد للدش. سعدت بشدة عالمة ان سامر لا يتركها بحاجة إلى شيء. قضينا الليل معها.
لم تقبل قط اي تغيير بمنزل طفولتهم، رافضة حتى تركيب تكييف او تغيير السريرين الصغيرين اللذان اتسعا بالكاد لإبنيها الرجلين. ولكن من اجل عيون سامر تحملت الدش وبعدها ابجورة كبيرة في الصالة وغيرت عدة التليفون وغيرها من الاشياء التي كان سامر يحضرها
ومن اجل عيونها رفض سامر كل الفرص التي جاءته للتدريس خارج مصر ولو لعدة اشهر، رافضا ان يعتبر هذه فرص ضائعة بل سعيدا بوجوده قربها

كيف تحملت هذه السيدة الطاعنة منظر صغيرها الجميل هذا يترك العالم قبلها؟
ربما من صعوبة ان يراها تغادر قبله فضل ان يرحل أولا؟
“واعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي”
كلمات درويش وصوت مارسيل خليفة التي سمعناها مرارا لم يمنعاه من تركها

يمر عليها عيد الأم الأول بدون صغيرها ويدها اليسرى في الجبس وقدمها مشدودة برباط بعد سقطة غير بسيطة. تسأل عنه وتناجيه كيف يتركها في هذا اليوم وفي هذه الظروف
ولا يجيبها احد

————-
إلى كل أمهات مصر الذين قدموا للعالم أعظم الرجال والنساء
والى كل أم فقدت صغيرها أمام عينها، الأمهات الثكلى الذين يعرفون تمام المعرفة ان الوقت لا يداوي ولا يخفف
والى مصرية يوسف أم سامر
والى أمي التي لا اجد كلمات مناسبة لاواسيها في زوجي-ابنها- الذي فقدته وفي ابنتها -انا – التي لم تعد على قيد الحياة

20130320-213621.jpg

تاريخ يلتف حول الرقبة

بدون مقدمات وجدت أشخاص من تاريخ حياتي يظهرون في الأفق … أحيانا بدون توقع أو تخطيط
من حيث لا يمكن أن أتصور أجد مكالمة تليفون أو شخص يستوقفني في الشارع أو في مكان عملي
وفي أدغال الذاكرة أجد ضوء صغير يظهر في غرفة معتمة لم أريد أن أدخلها ثانية قط
لا أخجل من التاريخ
ولكن لا أريد منه شيء
لم أعد تلك الإنسانة التي عرفتهم
لم أعد تلك الشابة التي يتذكروها
لم أعد حتى تلك الطفلة التي ربوها
صار عمري ألف عام ولا يعرفون
يبحثون على دليل على عمري ولا يجدون
أضيفت سنوات سامر التي تركها مبكرا إلى سني عمري

اطلب ان يتركوني فلا يفهمون … لقد صرت أخرى! لا يصدقون

20130320-191004.jpg

تدافع الكلمات

تختلط الأفكار بالكلمات بردود الأفعال بكل شيء آخر يحدث في الحياة فلا يمكن فك الاشتباك بين كل هذه الأحداث
اعرف فقط هذه الرغبة المكتومة في الصراخ والتي لا تغادرني ولا تتركني لحظة هدوء واحدة
يأتيني الموت كل يوم كأنما يعاندني: يؤكد انه موجود ولكن لم يحن وقت الرحمة بعد
الآن فقط هو وقت دفع ديون
ديون ثقيلة لم أقترضها ولم أعلم عنها شيء ولم يخبرني احد
بحر هادر من الألم المتصل بدون كلمة أمل واحدة تشفي النيران
المزيد من النيران المستعرة تأكل الأخضر واليابس المتبقي
سامر يختفي من الأحلام ويتركني أعاني وحدي

20130320-152130.jpg

If only …..

If only I know what is that horrible thing I have done in my life to deserve this….
If only I knew that for every moment of happiness I would pay a decade of unimaginable pain……
If only I knew that the black hole that swallowed our entire future was also swallowing the futures of those around…..
If only I knew how to break free the remaining spirit that is half released….
If only……

20130320-151416.jpg