آسفة يا سامر

فشلت في إعادة الزمن للوراء

فشلت في إيقاف عقارب الساعة

فشلت في العودة بنفسي أو بالعالم حولي إلى ما قبل ذلك الصباح المشؤوم

حاولت أن أنسى

حاول عقلي الانفصال عني ليهرب من الألم

حاول جسدي الهروب من صوت دقات الساعة

حاولت بكل كياني

وفشلت

فشلت في إعادتك أو الانضمام إليك

فشلت في إيقاف دوامة الذكريات

فشلت يا سامر

أرجوك سامحني لو اعتبروك غير موجود واحتفوا بك كأنك لست هنا

أرجوك سامحني لأني لا أستطيع أن أكون موجودة هناك بينهم

سيتذكرون … وأنا لم أنسى

سيبكون … وأنا لم أتوقف عن الدموع

سيبتسمون … وأنا نسيت كيف أبتسم في الوجوه

سيضحكون … وأنا نسيت كيف أدعي الضحك بعد أن أدمنت الادعاء

سامحني يا سامر

سأكون هنا معاك على موعد آخر

الطائرة

كيف ستقلع الطائرة؟
كيف ستتمكن من الارتفاع عن الارض بهذا الحمل الثقيل؟
كيف يتحمل معدنها الخفيف وزن عمرينا بأكمله؟
سنواتنا الثمانون ممتلؤون عن آخرهم ايام وليال طوال
حياتنا المشتركة تحتوي ملايين الدقائق الثمينة الأثقل من ذهب العالم مجتمعا
كل الكتب التي قراءناها وكل الأوراق التي كتبناها والتي حفرت بداخلنا بلايين الذرات شديدة الثقل والكثافة
الساعات الطويلة من المذاكرة والتحصيل وساعات أطول في قاعات المحاضرات حول العالم
كيف ستحمل الطائرة كل هذا؟
مئات الآلاف من الساعات الموسيقية المختارة ومثلها حوارات الأصدقاء الممتعة والمثرية
بلايين البلايين من المشاهد الساحرة من عشرات الدول التي زرناها والتي أثقلت قلوبنا سعادة وحسرة في ان واحد
لا أتخيل كيف يمكن لطائرة صغيرة تتسع لبضع مئات من الركاب ان تتحمل كل هذا الثقل غير المحتمل
ولكن من الأصعب اكثر من كل هذا ان أتصور كيف ستتمكن من ترك الارض والصعود للهواء بينما ملايين الجذور لا تزال مغروسة في الأعماق
هل تحاول انتزاع مدافن اللاتين عن وجه الكوكب؟
هل تتمكن بقوة خارقة من اقتلاع كل شرايين الحياة التي جمعتنا؟
لا ادري ولا أتصور كيف يمكن لأي طائرة ان تقلع بكل هذا الوجود

طعم الوداع

بعد ايام قليل يحين موعد الطائرة
لا اعرف كيف أمارس مراسم هذا الوداع
لا يمكن ان أعود هذا الكائن الحي البائس الذي لا يعرف كيف يودع العالم
أقول للجميع “وداعا” فياتيني الرد
“نراك بعد قليل”
لا يجب ان تروني او ان تتتمنوا رؤيتي في هذا العالم
مكاني ليس هنا

جسد حي … روح ميت

عرفت اليوم أو أدركت ما لم أتمكن من وصفه قبلا

جسدي حي بكل تأكيد … الغريزة البدائية تحكمه … يعرف كيف يسير ويأكل ويشرب

وأيضا يتفادى الطعام الفاسد والمياه الآسنة

ولكن ليس بداخله روح … بداخله كتل مرتبكة من المشاعر والذكريات التي تزداد غربة عنه كل يوم

الروح ماتت ولكن الجسد يقاوم بكل ضراوة

الروح ثقيلة يحاول ويستميت الجسد في إخفائها بعيدا حتى لا تقتله

حرب شعواء تدور بداخل رأسي بلا سيطرة

يكفي هذا تماما

20130525-003425.jpg

مطلوب صورة

لم أتخيل أن يكون هذا الطلب الصغير بهذه الصعوبة!! مطلوب مني تقديم صورة ولا أجد
لا أعرف من هذه التي تبتسم أو تنظر بتألق وثقة في صور قديمة
ولا يمكنني النظر في عدسة كاميرا … أهرب من العيون بكل طاقتي فكيف أترك نفسي للكاميرا؟
أهرب من كل شيء
يمكنني إرسال صورة قديمة
ولكن ربما لن يعرفوني

لن يعرفوني بالظلال التي تمتص لوني في جواز السفر

أغنية سامر الأخيرة

20131121-122232.jpg

١٩ نوفمبر ٢٠١٢

لم يكن معنا الطبلة ولكن لم يكن سامر ليفوت عيد ميلاد ابنة اخوه المفضلة المحبوبة
أحضرنا كرسي مطبخ خشبي صغير من مطبخ الشقة الصغيرة التي استاجرناها في باريس
وبعد تشغيل السكايب بدا سامر الطبول مع الغناء قام باختيار أغنية تصلح مع تغييرها لتصاحب عيد الميلاد
دور يا دورا يا دورا … يا وردة حلوة وقمورة

نعم … أتذكر محمد محمود جيدا

أتذكر أنني سرت وحدي في الميدان حتى التقيت سامر وكان قلقا بشدة من قراري الجنوني بالسير وحدي حتى مكان لقاءنا. أتذكر أقنعة الغاز وعيون سامر المتألمة بعد مرور سريع في ميدان باب اللوق. أتذكر المطعم الذي اختبأنا فيه محاولين الهروب من قنابل سارحة في الشارع. أتذكر كأنه كان بالأمس.

ولا أعلم شيئا من محمد محمود 2012 … سمعت أسم جيكا بعدها بأشهر للمرة الأولى برغم أنه سبق سامر بأسابيع قليلة… واستقرت مؤسسة سامر سليمان على بعد خطوات من منزله … ربما يكونوا على لقاء في مكان آخر اليوم؟

20131119-223642.jpg

الحياة مثل الجبناء

مواجهة جديدة لا مهرب منها: السبب الحقيقي والوحيد لوجودي على قيد الحياة في هذه اللحظة هو عدم القدرة على التخلص من حياتي. أنا اكثر جبنا من ان أواجه شبح الموت وحدي هكذا. لا أخاف الموت مطلقا ولكن ليس بداخلي من الشجاعة ما يكفي للاقدام عليه بخطى ثابتة
اهرب … أحيا في هرب مستمر يطول ايام لا اعرف خلالها من أنا
وحين استيقظ من كل هذا لا أتذكر كيف وصلت الى هذه اللحظة
مواجهة نفسي اليومية بكل هذا الألم باتت اكبر من قطرة عقلي على الاحتمال
وفي نفس الوقت الحياة مثل الجبناء لا تناسب أمثالي الذين لم يبرعوا في اختراع مخدرات الألم

لا اهتم للحياة … لا اهتم مطلقا … ولا أحب هذا الدور الذي اعيشه

عن الخوف من المرايا

مثل كل بنات عصري لم تفوتنا مرآة … لا في غرفة نوم او قطعة نيش او مصعد المنزل العتيق
تواجهني نفس مرايا الطفولة اليوم بفزع بعد ان تجنبتها شهورا طويلة
ولكن لا اعرف الوجه الذي يطالعني
دوائر سوداء وبداخلها بؤرة سوداء تسبح وسط بياض قليل … هذه عين … عين من؟
بروزات متعددة واخاديد وبثور … لمن كل هذا؟
بكل الصدق لا اعرف!!! لا اعتقد ان احدا يصدقني ولكن حقيقة الامر انني لا اعرف

لقد بلغ الانهيار بي مواقع جديدة كل يوم
ستأتي تلك اللحظة التي يأتي فيها الموت … هي يعرفني؟

تهريب ترامادول الى حازم صلاح ابو اسماعيل في السجن

لم أتصور أن اشعر بالأسى عندما اسمع هذا الخبر عن شخص أحتقره بشدة. شعرت بألم رهيب! للمرة الاولى التي أنطق فيها اسم هذا الدواء عندما سمعته من طبيب سامر وكنت في حالة صدمة. ذهبت بروشتة عادية الى الصيدلية باسم الدواء فإذا بالطبيب ينظر لي ببلاهة … لاكتشف أن الدواء المسكن الوحيد الذي يمكن ان يعفي سامر من كل هذا الألم يعتبر من قائمة المخدرات لذلك لا يتاح للمرضى ويتاح فقط للمدمنين!!!! احتاج الامر الى مساعدات كبيرة من أصدقاء ذوي علاقات “متنوعة” لنجد الدواء … حق سامر الوحيد في قضاء بقية العمر بدون عذاب
في هذا البلد العظيم لا يحق للمريض الحصول على الدواء لانه يهرب مباشرة الى تجار المخدرات … نعم … أتعاطف مع حازم صلاح ابو اسماعيل الذي لن يتمكن من الحصول على المسكن سوى بتهريبه الى السجن..، فحتى خارج السجن يتم تهريبه
هل احكي قصة اكثر ألما؟
عندما أقرت طبيبة سامر انه بحاجة الى مورفين للسيطرة على الألم، احتاجت المستشفى اكثر من نصف يوم ليحضروا بضعة قطرات من المخدر القوي ليتمكن سامر من احتمال الساعات الاخيرة له في الدنيا
كيف لا أتعاطف مع صلاح ابو اسماعيل؟

كان يشبه اليوم قليلا

انطلقنا في الصباح الباكر للمطار نحمل حقائب مليئة بملابس ثقيلة

لم تستقبلنا باريس التي أحبها سامر بخريف لطيف ولكن بشتاء قارص تجمدت له أوصالنا المتعبة من الرحلة

حملنا آلامنا وآمالنا إلى معهد جوستاف روسسي

لم نحصل سوى على ختم تصديق أخير على حكم الإعدام

طفنا بأنحاء باريس قليلا وتركنا شمعة مضاءة أمام مونت مارتر … نحب الشموع بشدة

لم يمهلنا الألم كثيرا قبل أن تستقبلنا المستشفى في طوارئ منتصف الليل

وعبرت ساعات ثقيلة قبل أن نستقر مرة أخرى في طيارة العودة … هذه المرة الحقائب معي وسامر على الكرسي

لم تمر الليلة على سامر وحده في سرير المستشفى وأنا على سرير المرافق … قبل الشروق كان الألم تحت السيطرة فقام من السرير وحده وجاء بجواري … ولم نفترق من لحظتها

لم نفترق ولن نفترق

20130321-151000.jpg

تشبهني كثيرا

تعرف الكثير عني … كل الذكريات وكل المشاعر وكل الأحداث

ولكنها تسرقها إلى عالم آخر بدون وعي

تسكن نفس الجسد ولكنها لا تملكه

تعبر الشارع ولكنها مخاطرة كبيرة

قد لا تصل أبدا للناحية الأخرى

حقا لا تصل للناحية الأخرى أبدا

روتين الدقائق الاولى

نور يضيء من النافذة
لا شك ان الصباح أتى
ولكن لابد من مراجعة كل التفاصيل حتى لا يفوتني شيء
اسمي … مكان وجودي… سبب فراغ السرير الى جواري
اي يوم في الأسبوع … أين ينبغي ان أكون…. كم الساعة الان
ما مصدر كل هذا الضجيج … هل لازالت حية؟

ها ها ها

ضحكة طويلة عميقة ساخرة
ها ها ها ها
تستهزئ بي … تنظر بتحدي
تعرف انني لا أستطيع الرد ولا أستطيع الحياة
كيف جاءت الى هنا؟ كيف وصلت الى هذا المكان البعيد المهجور العميق؟
كيف اخترقت كل العوائق وكل الحواجز وعثرت علي؟

لا أستطيع الحركة

يعلم سامر جيدا هذه الأيام التي لا أستطيع فيها اتخاذ قرار الخروج من السرير. كان يسحبني إجبارا من تحت الأغطية ويضع الشبشب في رجلي ويدفعني دفعا حتى أسقط من الضحك وأبدأ اليوم أو أخرج أو أقوم أو أتحرك من مكاني على الأقل

كثيرا ما تحدث لي حالات التجمد هذه … لا أعثر على سبب كافي للحركة في أي اتجاه … ربما ارتباك أو حزن ما أو غضب ما أو شدة التفكير … أو ربما حزن لا يطاق

في يوم كهذا لم أتمكن من اتخاذ أي قرار ولكن نجدتني صديقة تعرف الألم جيدا … اخترقت عالمي الصامت وحضرت للمنزل في جرأة لم أتوقعها … إنتظرت أن تعطلها مشاغل الحياة ولكن لحظي (لا أعلم الجيد أم السئ) تمكنت من الحضور لتقتسم ساعات طويلة من حديثي المطول عن سعادة من نوع خاص … عن ماضي كان كالحلم … عن حياة مكتملة الجوانب لاقت حتفها في لحظة

في يوم كهذا أتذكر ولكن لا يطاوعني القلم أن أكتب ما أتذكره لأنني لا أملك ما يكفي من القدرة على كبح الدموع لأكتب كل ما أريد

لا أستطيع الكتابة حين يغمرني الألم مثل الآن

DSC01306

أكيد سامر جاي يوم الجمعة

أيا كانت الفترة الطويلة الماضية التي لم أرى فيها سامر فلا يمكن أن يفوت عليه يوم الجمعة!! سأظل أذكره بهديتي وبدعوة الأصدقاء. سيظل يحاول إرضائي طوال الأسبوع ولكن أرضى. سأعاني الاكتئاب الذي يصاحب نفس الوقت كل عام. سأصرخ في وجهه لأن المكان الذي دعاني إليه ليس المفضل ولأن أحد المدعوين للحفل ليس من الأصدقاء المقربين
لا يوجد سبب منطقي يمكن أن يمنع سامر من أن يحاول تهدئة روعي يوم الجمعة القادمة. لا يمكن أن يكون سامر موجود في مكان ما ويتركني لهذا اليوم الذي أخشاه أكثر مما أخشى عودة 23 ديسمبر مرة أخرى
ولكن هل يعود سامر يتألم كما تألم العام الماضي في نفس الوقت؟ هل يتركنا ويهرب ليرتاح قليلا مثل العام الماضي ويرحل الأصدقاء سريعا ثم يعتذر لي أنه لم يستطيع أن يحتفل بي كما ينبغي لأنه مريض ولكن بعد انتهاء الوعكة سيعوضني كل هذا
ها هي الوعكة انتهت ولازلت أنتظر أن يعوضني سامر عن كل الشهور القاسية الماضية التي نسيني خلالها وتركني
أكيد سامر جاي يوم الجمعة
هل يمكن أن يعبر اليوم بدون أن نجرب طعام جديد كما وعدني كل عام؟ كنا سنجرب الطعام التايلندي هذا العام أو ربما الكوري أو نوع آخر جديد ظهر في القاهرة
بل لعلنا كنا سنهرب إلى مكان جديد بعيد لم نعرفه من قبل لنحتفل ونكتشف
أكيد لازم سامر ييجي يوم الجمعة
لن أستطيع احتمال مثل هذا اليوم الصعب بدونه!!! لن يمكنني أن أترك الساعات تمر بدونه!!! سأتمسك بالوقت حتى يعود من غفوته البعيدة …. سيظل التاريخ دائما وأبدا 23 ديسمبر 2012 حتى نلتقي

20131022-165137.jpg