من وحي ذكريات ١١ مارس ٢٠١٠: زياد رحباني في القاهرة

لم نصدق سامر وأنا خبر أن زياد رحباني في القاهرة أخيرا! للمرة الأولى في حياته تطأ أقدام الملحن والمؤلف والمغني اللبناني المبدع أرض مصر – بالرغم من أن والديه عاشا في مصر أثناء الحرب (ولكن ربما كانت هذه أخطاء الدعاية وقتها) على أي حال
زياد الرحباني لم يكن مجرد أحد الأصوات التي سمعناها واستمتعنا بها أنا وسامر
بل كان رفيق رحلات طويلة في السيارة بداخل وخارج القاهرة
حمل زياد الرحباني روح خاص في أغنياته وألحانه
ليس فقط ما يغنيه ولكن ما لحنه لفيروز وغيرها
حمل رسالة للموسيقى العربية جمعاء عندما خلطها بجرأة مع الچاز
وحمل رسالة إنسانية صاخبة بكلمات الأغاني التي صدح بها كثيرين

 

وكان زياد رحباني من رفاق حفل زفافنا
غنيت لسامر من إبداعاته “معلومات مش أكيدة


قلبي ده طفل صغير
إياك تزعل منه
لو يوم فيه تتحير
سامح واعرف انه
طفل صغير وبيتغير طبعا غصبن عنه
غصبن عنه اكمنه
طفل صغير قلبي

تمكنت من فصل الصوت عن الموسيقى
وغنيتها لسامر في ليلتنا الخالدة
وكانت سعادته شديدة، ليس لأن صوتي كان جميلا مثل صوت لطيفة، ولكن لأنها من الأغاني التي أحبها بشكل خاص

 

أجمل شيء أنه بيرجع لك
ويفضفض لك ويعوضلك
قد البعد هيام قد الهجر غرام
ويعودلك ندمان مليان شوق وحنان وبراءة وتوهان

 

ولكل هذه الأسباب كانت زيارة الرحباني لمصر علامة مميزة في حياتنا
شددنا الرحيل إلى ساقية الصاوي
وجلسنا على الأرض
ولكن مع الأسف لم تكتمل سعادتنا بحضور زياد
كان الصوت سيئا وارتفع صوت الموسيقى على صوت الغناء
ولم يغني زياد بنفسه إلا تحت ضغط شديد من الحضور أغنية واحدة

بما إنو كل شي نظيف وبما إنو شــــــــفنا عفيف
قال لي كسدر مرتك فوراً وارخي إبنك عالرصيف
بما إنو شغلي خفيف والحالة مش عارف كيف
قلت بنزّل مرتي وبنزل وإبني بيفلت عالرصيف

بما إنو العيشة صعبة ومش هينة
إجتمعنا واتفقنا وهيّينا
بالخفيف بالعنيف بالربيع بالخريف

شــــجّروا كل الكورنيش وجايي أيّا مشي ما فيش
لف حصيرة وشنكل مرتك وروح فلشهن عالحشيش

بما إنو العيشة سودا ومش بيضة
إجتمعنا وقرّرنا نسلق بيضة

يخي شي مغذّي شي خفيف شي مطمئن شي مخيف
بما إنو كل شي نظيف وبما إنو شــــــــــفنا عفيف
قال لي كســـدر مرتك فوراً وارخي إبنك عالرصيف

إلنا ساعة عرفت كيف ساعة عم نحكي وما فهمت كيف
يو إنو أنا مش عم فهّم يو إنو فهمك خفيف
إرخي القصة شو بدّك عيف
إرخي القصة شو بدّك عيف عيف عيف عيف
إرخي القصة شو بدّك عيف


ورحلنا
ولكن أكمل زياد رحباني معنا بقية السنوات

 

أنا مش كافر بس الجوع كافر”
أنا مش كافر بس المرض كافر
أنا مش كافر بس الفقر كافر والذلّ كافر
أنا مش كافر
لكن شو بعملّك إذا اجتمعوا فيّي
كل الإشيا الكافرين
***
يللي بيصلّي الأحد ويللي بيصلي الجـــمعة
وقاعد يفلح فينا على طـــــول الجــــمعة
هوّ يللي ديّن قال وأنا يللي كافر عال
راجعوا الكتب السماوية راجعوا كلام القادر
***
أنا مش كافر بس البلد كافر
أنا مقبووور ببيتي ومش قادر هاجر
وعم تاكل لي اللقمة بتمّي وأكلك قدّامك يا عمّي
وإذا بكفر بتقل لي كافر
معمّم عالدول الغربية ومبلّغ كل المخافر
***
أنا مش كافر هيذا إنت الكافر
أنا مش كافر ما دام إنت الكافر
أنا مش كافر قلنا مين الكافر…. كافر
وعرفوا مين الكافر………. كافر
أنا مش كافر متل ما عم قل لك
عم بتحطها فيي كونك شيخ الكافرين
و آمين

أعتقد أنه شيء منطقي؟

20130311-233918.jpg

لو كانوا فقط يعرفون الحب

من المستحيل للعقل البشري تصور بعض المشاعر: جيدة كانت أو سيئة. باختصار قدرتنا على تخيل مشاعر لم نختبرها بصدق من قبل يكاد يكون مستحيل. أستطيع تأكيد ذلك بلا شك من تجربتي المؤلمة: بينما يتصور الكثيرين أنهم “يعرفون ما أشعر به” هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة: إنهم “يتخيلون” ما أمر به من واقع خبراتهم. ولكن لم أسمع ما يمكن أن يبرد القليل من الجحيم الذي أعيشه سوى قلة عاشت تجربتي وتستطيع أن تجد كلمات مناسبة، وإن كانت أحيانا “لا توجد كلمات” وهذا كثيرا ما يكفي
لا أستطيع تصور ما تمر به حماتي … أنا على ثقة تامة من ذلك الآن. أقف على بعد خطوات قليلة من تجربتها ولكنها لا تزال تجربة أكثر ألما. أقف غير قادرة على قول أو فعل شيء ولا أستطيع سوى أن أدعها تبكي بحرية كما تريد

 

بنفس القدر الآن اكتشفت أن البشر لا يمكنهم تصور التجارب الجيدة. لا يمكن للبشر تصور الحب إن لم يكونوا قد عاشوه وعرفوه. إن كانوا عرفوا الحب لا يمكنهم أن يتصوروا كلمات مثل “ستفرحين مرة أخرى” أو “ستتعودين” أو “ستجدين آخرين في حياتك” لأن كل هذه الكلمات تصلح لمن لم يعرف الحب، لمن اختبر الزواج ربما، ولكن ليس لمن اختبر الحب. ذلك الحب الذي يحول شخصين إلى شخص واحد. الحب الذي يجمع حياتين فلا تتعرف على أحدهما دون الآخر. الحب الذي يعبر الجسد والحياة والنفس. هذه تجربة فريدة بالتأكيد لا يستطيع أن يتخيلها من لم يحياها، وإن كان هناك كثيرين يعرفون أنهم لم يدركوها ولازالوا يبحثون عنها وأتمنى لهم كل ما فقدته وأكثر

 

الحب الذي أتحدث عنه هو الحب الاختياري وليس الحب الغريزي مثل حب الأم والأب والأبناء وحتى حب الله وحب الوطن. كلها أنواع من الحب نهب أنفسنا لها بدون اختيارات. ولكن هناك حب واحد يمكننا اختياره: حب شريك الحياة، وعن هذا أتكلم. عن حب شخص غريب تماما، ليس من نفس الدم ولا الميلاد، ولكن يختاره القلب ليمنحه ذاته عن طيب خاطر

 

أول مرة ألاحظ المصريين من هذه المسافة. ، من مسافة معرفة الحب والفقد. أستطيع بلا شك أن أؤكد أن قليلين جدا هم الذين عاشوا تجارب الحب هذه. لا يمكن لمن عرف كيف يهب قلبه أن يخدع أو يكذب. يتعلم من أحب نوع جديد من السعادة لا يمكن أن تؤثر فيه ظروف الحياة العسيرة، لا يمكن أن تحوله مشاكل العمل أو المرور أو السياسة أو غيرها إلى شخص تعيس، مكتئب ربما، ولكن لا يمكن أن يكون تعيس من يعرف الحب. الحب يفرض على الإنسان ذاته فلا يمكن لمن أحب أن يدعي أنه لا يحب
وحتى إن تحول الحب إلى فراق أو الم أو أي شيء آخر تظل التجربة تشكل كيان الإنسان مهما حدث
تظل تجربة تترك أثر

 

لو عرف المصريين الحب … لو عرفوه جميعا … لو عرفوا ذلك الشعور الذي يغير الكيان الإنساني بأكلمه، لتغير وجه البلد عن آخره! لقد عرف بعض الشباب شعور الحرية وحب الوطن وكان ذلك قادر على تغيير وجه التاريخ، ما بالك لو تذوقوا طعم الحب!!! مجرد تصور هذا يجعل جسدي يقشعر. ليته كان إكسيرا ممكنا لمنحتهم دمي ليصنعوه! لمنحت العلماء كل نسمة من أنفاسي ليعطوه لمن يريد

 

ولكن قد لا يوجد من يريده!” هاتف أخبرني!! أليس الحب هو السبب في كل الألم الذي أعيشه الآن؟”
ولكن هيهات! إن كان الألم هو الثمن الذي أدفعه مقابل كل لحظة حب عشتها مع سامر فليكن! إن كان الثمن الذي أدفعه هو ما كان يمكن أن يتبقى من حياتي من سنوات فهو ثمن ضئيل جدا

20130311-190613.jpg