من وحي عيد الأم …. عيد ميلادها

لم يعلم سامر طيلة حياته يوم عيد ميلاد والدته، مصرية. لم تخبر هي أحدا. أعلمت الجميع ان عيد ميلادها هو يوم عيد الأم وهكذا أرادت ان يعرفوها: كأنها ولدت يوم انجبت للحياة هذين الرجلين مصدر فخرها وسعادتها والآن أيضا مصدر ألمها الذي لا يداوى
عندما تعرفت إلى سامر كان دائماً من مصادر استغرابي هو التزامه العائلي يوم الجمعة. حتى وهو يحب ويتزوج لم يكن يرغب في قضاء الجمعة بعيدا عنها. كان يحبها بشكل خاص ولهذا دور كبير في حبي له

إلى كل الصديقات اللاتي لم يحالفهن الحظ بعد، إعلمن ان علاقة الرجل بالمرأة تبدأ من العلاقة مع الأم. ان كانت هذه العلاقة الأولى غير سوية من الصعب جدا ان لم يكن مستحيل ان تستقيم علاقاته بأي امرأة أخرى في الدنيا. ان لم يحترم الرجل والدته لن يمكنه احترام اي سيدة مهما كانت. ولكن في نفس الوقت ان تشبث بوالدته بشكل مرضي فلن يستطيع ان يحب امرأة مهما حاول
كل أم تربي رجلا تعرف هذا جيدا

كيف تمكنت مصرية، الشابة الجريئة التي خاضت الصراع من اجل ان تعمل في الصعيد قبل اي فتاة في عائلتهم، الفتاة التي تأخرت في الزواج حتى قاربت عقارب الساعة ان تفوتها تماماً، كيف استطاعت ان تربي مثل هذا الرجل اليافع الجميل والذي يحبها بكل كيانه ويرغب في إرضائها بكل السبل الممكنة ويرفض الموت سوى في وجودها إلى جواره، وفي نفس الوقت الزوج والحبيب الرقيق الذي يدافع عن حقوق المرأة في الشارع ويحيا في المنزل مؤمنا بأنها جزء منه؟
كيف تمكنت هذه المرأة المحاربة ان تعطي العالم شابا جميلا صادقا ناضجا في هذا المنزل الصغير وهذا المطبخ الضئيل الذي تعلم فيه حب الطعام وتذوقه وعشق الحمام المحشي من يديها، يخرج من بيتها ويقف وسط المئات متحدثا لبقا وأمام كاميرات التليفزيون مفكرا فذا ومحللا بارعا؟

لمن لم يعرف لماذا كان سامر سليمان يغادر قاعات المؤتمرات ومحاضراته واجتماعاته السياسية في تمام الثامنة والنصف ويعود بعد دقائق: كانت تلك اهم دقائق في يومه عندما يتحدث إلى ماما ويطمئن عليها ويجيب كل طلباتها ويخطط معها زيارات الأطباء واحيانا كثيرة يشاركها هموم يومه وخططه للعمل ومشكلاته من اول المرور وحتى التحول الديمقراطي

كان سامر يخشى أكثر ما يخشى ان يدق الجرس يوما ولا ترد عليه. طلب مني ان اتصل بها قبله حتى لا تصيبه تلك الصدمة طيلة حياته. حرصت على ذلك. كانت الصدمة التي خشاها سامر أكثر من الموت نفسه

في عيد الأم ٢٠١٠ ذهبنا إليها حاملين “كشري التحرير” ورسيفر جديد للدش. سعدت بشدة عالمة ان سامر لا يتركها بحاجة إلى شيء. قضينا الليل معها.
لم تقبل قط اي تغيير بمنزل طفولتهم، رافضة حتى تركيب تكييف او تغيير السريرين الصغيرين اللذان اتسعا بالكاد لإبنيها الرجلين. ولكن من اجل عيون سامر تحملت الدش وبعدها ابجورة كبيرة في الصالة وغيرت عدة التليفون وغيرها من الاشياء التي كان سامر يحضرها
ومن اجل عيونها رفض سامر كل الفرص التي جاءته للتدريس خارج مصر ولو لعدة اشهر، رافضا ان يعتبر هذه فرص ضائعة بل سعيدا بوجوده قربها

كيف تحملت هذه السيدة الطاعنة منظر صغيرها الجميل هذا يترك العالم قبلها؟
ربما من صعوبة ان يراها تغادر قبله فضل ان يرحل أولا؟
“واعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي”
كلمات درويش وصوت مارسيل خليفة التي سمعناها مرارا لم يمنعاه من تركها

يمر عليها عيد الأم الأول بدون صغيرها ويدها اليسرى في الجبس وقدمها مشدودة برباط بعد سقطة غير بسيطة. تسأل عنه وتناجيه كيف يتركها في هذا اليوم وفي هذه الظروف
ولا يجيبها احد

————-
إلى كل أمهات مصر الذين قدموا للعالم أعظم الرجال والنساء
والى كل أم فقدت صغيرها أمام عينها، الأمهات الثكلى الذين يعرفون تمام المعرفة ان الوقت لا يداوي ولا يخفف
والى مصرية يوسف أم سامر
والى أمي التي لا اجد كلمات مناسبة لاواسيها في زوجي-ابنها- الذي فقدته وفي ابنتها -انا – التي لم تعد على قيد الحياة

20130320-213621.jpg

2 thoughts on “من وحي عيد الأم …. عيد ميلادها

أضف تعليق